الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

ذكريات......1


ذكريات -1
من أواخر ذكرياتي عن مصر تلك الفترة التي قضيتها كمسئول إداري بالشركة الفرنسية
Sn Constructions Métalliques de Provence
 قد حصلت علي مقاولة من الباطن لبناء خزانات للغار في منطقة أبو رديس بجنوب سيناء في النصف الثاني من عام 1983 وكان المقاول الرئيسي هو شركة هيتاشي زوسن اليابانية المسئولة عن المشروع و اسمه
SINAI ASSOCIATED GAZ PROJECT  
وقد بدأنا التحضير للعمل بالموقع في شهر يوليو من ذالك العام و كنت قد عملت مع نفس الشركة من قبل في مشروعين أحدهما في أبو ظبي و الآخر في اليمن الشمالي آنذاك. كان عملي يتطلب إجراء كل التعاملات الإدارية المطلوبة من تصاريح عمل للعاملين الأجانب وكذالك كل المعاملات والإجراءات القانونية والجمركية والترخيصات بأنواعها وما إلى غير ذلك. المهم هو أن أتحدث عن الفساد الذي ارق مضاجعي في تلك الحقبة من عمري. سيبتسم بعضهم أني لم ألاحظ ذالك قبل أن اعمل في هذا المنصب و بالفعل اتضح لي من بعد أني كنت ساذجا أعيش في عالم آخر واليوم عندما أتذكر تلك الفترة وأقارن بين البلدان فإني لم ألحظ فسادا في أبو ظبي حيث انه كان معي العديد من الإداريين لأهمية حجم الموقع وكان تعاملي أساسا مع الشرطة وليس لدي ما أقوله سوي أنهم أنقذوني من محتال محلي، كنت اسمع عن الفساد ولكني لم أره. وبعد انتهاء المشروع انتقلت على مشروع آخر في اليمن لنفس الشركة وهو بناء محطة لتموين الطائرات في القاعدة الجوية للحديدة المتاخمة للمطار المدني. كان عملي يقتضي مني التنقل بين الحديدة حيث المشروع والوزارات والقيادة العامة في صنعاء.  وفي اليمن حيت الناس طيبون ومعاملاتهم صريحة،  قضيت أسعد أيام عملي وهناك أيضا رأيت الفساد رؤيا العين لأول مرة وتعاملت معه مكرها حتى يتسنى لي تسيير الأمور. ذات يوم تلقيت مظروفا به ألفي ريال وهو ما يوازي مرتب نصف شهر رشوة عند شرائي سيارة جديدة للشركة ولكني لم اعرف ماذا أفعل بها  وأخيرا سجلتها كتخفيض حصلت عليه من البائع وأرسلت إخطارا للشركة بذلك, فيل عني في الشركة أني عبيط ولكن رؤسائي قدروا ذالك وكنت الوحيد الذي حصل على مكافأة في آخر المشروع مرتب شهر بالإضافة لمستحقاتي. بعد سنة ونصف في اليمن فاض بي الكيل من سماع موظفي الحكومة يطلبون حق القات وهو ما يوازي 150 ريال وزهقت من الفساد، فأراد ربي أن يرينني ما هو أسوأ و انتقلت للعمل على مشروع غاز سيناء.
لن أطيل في الحديث عن الفساد المستشري كالسرطان آنذاك في مصر الشرفاء الذين قابلتهم يعدون على أصابع اليد الواحدة.
كانت أمامنا مشكلة في الحصول علي تصاريح عمل للعاملين ألأجانب وكل "يمطوح" فينا وما بين مدير مكتب العمل في أبو رديس والمكتب الرئيسي في مدينة الطور . كان مدبر مكتب العمل في ابو رديس يقيم في مبنى يستخدمه كمنزل ومكتب في زقت واحد. كان الرجل من الأرياف يتكلم بلهجة فلاحي ويستقبل القادمين حاملا إبنه على كتفة ونصفه السفلي عار ويعف عليه الذباب، وكان  "متربس" راسه وألف سيف يجي يقفل الموقع لمخالفتنا قانون العمل،فعملت بالواجب وكنت أتحرك وحدي ولي حرية التصرف أما إداري الشركة اليابانية الذي كان مصريا فكان شابا صغيرا هو العائل الوحيد لأمه العجوز وإخوته اليتامى. وأراد أن يسير أموره هو الآخر ولكن اليابانيون كانوا شكاكون وأراد أحد المديرين اليابانيين حضور العملية. طبعا الموضوع لم يرق لمدير مكتب العمل الذي أبلغ النيابة بعملية الرشوة وقبض البوليس على الشاب المصري وأودع السجن على ذمة التحقيق. وجاءت الشرطة إلى الموقع وكنا عائدين إلى المعسكر وقطعت سيارة الشرطة علينا الطريق على طريقة " ستارسكي أند هتش" وقبضت على الياباني. كل دهك ويس. لكن النيابة الموقرة أفرجت عن الياباني بتدخل من السفارة اليابانية وعلى ضمانتها أما المصري فبقي في الحبس مثل الكلب الذي ليس له صاحب.  ذهبت بعدها إلى مدير مكتب العمل لأعاتبه يرقة فرد علي انه كان ينبغي للمصري أن يحضر وحده ولا يفضحني فقلت له انه عبد المأمور فرد ذنبه علي جنبه. وبالفعل تم تهريب الياباني خارج البلاد وبقي المصري في السجن في انتظار المحاكمة.
بعدها بأيام أخطرنا بزيارة وكيل وزارة البترول وكان شابا في بداية الثلاثينات وسيما نحيفا ويبدو انه عين حديثا لأنه لم يكن قد سمن بعد، وجاء هو والوفد المرافق يتبختر ويزور موقع العمل ومكاتب الشركات العاملة بالموقع، وانتهزت فرصة أني كنت من يستقبله ورويت له القصة وطلبت منه التدخل للإفراج عن الشاب المصري. وجا رد وكيل الوزارة المحترم: يا بني كل عيش واسكت بلاش مشاكل.
عرفت بعدها أن المصري لا قيمة له في بلده وكان لتلك الجملة وقع الصاعقة علي. كنا في بداية عام 1984 وبعدها بستة أشهر رحلت من مصر مغاضبا ولم أعد إليها أبدا. وا أسفاه عليك يا مصر  

ليست هناك تعليقات: