ذكريات – 4
ماذا لو أعطينا العيش لخبازه
تخرجت من كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية
عام 1975 قسم عام بعد تسع سنوات من الشقاء
والهجرة ثم العودة، وكنت قد دخلتها مرغما وليس عن رغبة و أنا الإسكندراني أبا عن
جد ولم أر الأرياف في حياتي، ولكني رضيت بما أعطاني ربي وحاولت جهدي أن أحب مهنتي
وحاولت الاهتمام بالريف وكنت خلال سنين الدراسة الأولى أن أشاهد الأمور على
طبيعتها وطلبت من أب لصديق لي وكان مفتشا بوزارة الزراعة أن يوفر لي تدريبا عمليا
في الوزارة فألحقني بجمعية تعاونية زراعية في فرية سيدي القروي بمركز أبو حمص
بمحافظة البحيرة, وكل ما تعلمته هو إعداد
كشوف أجور الأطفال العاملين في مكافحة دودة القطن كل ما تعلمته هو أسماء الأطفال
ككيداهم وستهم .....وما إلى غير ذلك من أسماء أسمعها لأول مرة, وما لم أتعلمه هو
التعرف علي نبات شجرة القطن.
وبعد تخرجي بحثت عن عما ولكني لم أجد سوى عمل
في شركة سياحة بمبلغ 35 جنيه وشوية ملاليم وذالك لإجادتي اللغات الفرنسية
والإنجليزية. وطلبا للخبرة في مجال الإنتاج الحيواني التحقت بأكبر و أشهر معهد
زراعي في فرنسا لأدرس أسس وفنون تربية الدواجن وفي نفس الوقت أرسلني المعهد
للتدريب في احد أكبر معامل التفريخ بغرب فرنسا وبعد سنة ونصف من الدراسة والتدريب
حصلت على الدبلوم وشهادة تأهيل وكنت قد اكتسبت خبرة واسعة في هذا المجال كل هذا
مولته انأ بمجهودي الخاص حيث أني كنت اعمل بجد خلال التدريب فكان يصرف لي راتب
مجزي. وعدت إلي وطني عام 1979 فخورا بما حققته.
حاولت إقامة مشروع خاص بي ولكني اصطدمت بالحقيقة المروعة وهي أن الفلوس مع
التيوس والتيوس لا تثق في أصحاب الشهادات وخصوصا إذا كانوا مصريون.
كنت كلما تعبت من البحث عن عمل أجلس في
كافتريا ايليت بشارع صفية زغلول أحتسى الكابوتشينو وأدخن كام سيجارة في انتظار
الفرج. وكنت ارتاد هذه الكافتريا يوميا وكانت لي بمثابة مكتب اذهب غليه في الصباح
وأقرأ الجريدة والإعلانات عن الوظائف. وذات يوم وقع نظري علي إعلان باللغة
الإنجليزية في جريدة الأهرام عن عرض عمل كمدير لمشروع محطة إنتاج وكانت الشروط
والمؤهلات المطلوبة تنطبق علي تماما وكان المرتب المعروض 92000 دولار في العام نعم إثنين وتسعون الف دولار.طرت
من الفرح وأنا أقول يا رب، وكانت أوراقي معي وتركت ايليت ولم أكن قد أكملت شرب
الكابوتشينو وخطفت رجلي إلى الشركة العامة للدواجن التي كان مكتبها الرئيسي يقع في
عمارة بشارع فؤاد عند تقاطعه مع شارع صفية زغلول, صعدت إلى مكتب الشركة وطلبت بأدب
مقابلة المدير. أود أن أضيف بين قوسين أني كنت شابا وسيما أنيقا ولبقا يحسن الكلام
ويمتلك شجاعة أدبية لا بأس بها. وانتظرت قليلا
وسمح لي بالدخول فحييته بأدب ولكن بدون مداهنة وعرضت له ملفي بما فيه من أوراق
وشهادات وخبرة كل هذا كما يفعل الغربيون عندما يتقدمون إلى عمل جديد.
البيه المدير بدا مبهورا ولكنه قال لي : يا بني لا أستطيع أن أعطيك هذا
المنصب هذا ليس بيدي وكل ما أستطيع ه هو تعيينك لإدارة محطة أخري بمرتب شهري قدره
42 جنيها شهريا. فجمعت أوراقي ونظرت له
بغضب وقلت له لا متشكر مش عايز اشتغل في الزراعة بعد الآن. وخرجت من عنده ألعن هذه
البلد وأهلها ، لم أعطي حتى الفرصة للدخول في المنافسة. وتتبعت الموضوع عن بعد
وظهر أن العملية كانت مطبوخة قبل الإعلان وجاء الإعلان لذر الرماد في العيون. الله
يلعن عقدة الخواجة
اللهم أحمدك لما أعطيت وما منعت. فهاجرت
وعملت في شركات فرنسية ثم كموظف حكومي متعاقد من الدرجة الأولي وعرفت معنى المثل لا كرامة لنبي في وطنه. مع
تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق